الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

"المفاوضات مع البوليساريو"


2005


"المفاوضات مع البوليساريو"


تقديم

أيقنت جميع الأطراف في نزاع الصحراء بضرورة البحث عن حل نهائي لهذا النزاع الذي عمر طويلا والذي لم تنته فصوله بعد. فهو دائر منذ 1976 وتقرر وقف إطلاق النار منذ 1991 حلت على إثره بعثة المينورسو (قوة تابعة للأمم المتحدة) إلى المنطقة للإشراف على احترام القرار لمدة 6 أشهر لتسهيل إجراء عملية الاستفتاء لكنها لازالت حاضرة رغم أن الاستفتاء أضحى في خبر كان.


ومر ملف الصحراء من عدة محطات، لكنه ظل بدون حل نهائي. سنوات من صراع طواحين الهواء وعدم التزام الأطراف بالسير في مسار يدعم جهود البحث عن تسوية للنزاع. كان حجر الزاوية مبدأ تقرير المصير والاستفتاء، لكن سرعان ما تبين أنه مشروع متجاوز بفعل واقع الأمر.


تم جاءت مرحلة سعت فيها العواصم العالمية للدفع لفتح حوار مباشر بين المغرب والجزائر، لكن اللغة الخشبية ظلت هي السائدة وبدأ كل طرف في النزاع يردد أسطوانته المفضلة.

وجاء آخر تقرير للأمين العام للأمم المتحدة لإعطاء دفعة جديدة للملف، الشيء الذي أدى بكل طرف من الأطراف لتقوية موقعه للاستعداد للآتي.

وفي وقت يكاد يجمع فيه الرأي العام الدولي على أن مقترح المغرب بخصوص الحكم الذاتي الموسع يعتبر الحل السياسي الأنسب الأكثر واقعية والأكثر قبولا للتطبيق، تتحد كل من الجزائر والبوليساريو للتصدي لموقف الأمين العام للأمم المتحدة الرامي إلى إيجاد حل نهائي لملف الصحراء في أقرب وقت عبر المفاوضات.

وإذا كانت المفاوضات السرية بين المغرب والبوليساريو التي بدأت منذ نهاية الثمانينيات لم تؤد إلى نتيجة، فإن المفاوضات السرية، حاليا، تأتي في ظروف مغايرة وفي وقت يعيش فيه محمد عبد العزيز وضعية تفرض عليه العمل على استغلال الفرصة التي قد لا تتاح له مستقبلا.

وخلافا لما هو معلن عنه، يبدو أن الأمين العام لجبهة البوليساريو يتجه نحو البحث عن حل يجعله من المستفيدين ما دامت هناك أصوات مناهضة له تتهمه علانية بجملة من التهم.

إننا لا ندعي الإحاطة بكل جوانب إشكالية المفاوضات السرية في ملف هذا العدد، وإنما نعرض للقارئ بعضا منها عبر ورقات تتضمن أحداثا ومعطيات وقراءات من زوايا مختلفة، رغبة منا في المساهمة في تراكمات كافية لملامسة المنحى الذي سيسير فيه التعامل مع نزاع الصحراء في أفق البحث عن حل نهائي له.


على سبيل البدء:

التطورات الأخيرة وحركية البحث عن حل نهائي


عرف ركح النزاع بخصوص ملف الصحراء حركية جديدة سعيا وراء البحث عن حل لطي الملف نهائيا وقد لعبت جملة من الأحداث دورا مهما في تفعيل وتيرة هذه الحركية.

ففي غضون شهر نوفمبر 2005، احتفلت الأقاليم الصحراوية بالذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء، كما أقامت جبهة البوليساريو، على غير عادتها، احتفالات كبيرة في نهاية فبراير 2006 بمناسبة الذكرى الثلاثين للإعلان عن "الجمهورية الصحراوية" المزعومة في تندوف وتيفاريتي واستعراضا عسكريا شارك فيه ما يناهز 2600 مقاتل و150 جملا و 40 ناقة مجهزة بمدافع رشاشة وأسلحة أخرى. وتلى في مارس 2006، جاءت زيارة الملك محمد السادس لمدينة العيون وأعلن فيها عن تنصيب خليهن ولد الرشيد رئيسا للمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية.


وخلال هذه الفترة، تم تنظيم مظاهرات نادى بعض المشاركين فيها بتقرير المصير وأدت إلى بعض المواجهات العنيفة بين المتظاهرين ورجال الأمن سقط على إثرها شاب في نهاية أكتوبر 2005 ونتج عن هذا الحادث مساءلة ضابطين للشرطة بخصوص الموضوع وهي سابقة لم يعتد المغاربة معاينتها من قبل وقد استغلت جبهة البوليساريو هذه الأحداث للترويج لأفكارها المعادية للمغرب وللوحدة الترابية.

وفي نهاية شهر مارس عفا الملك محمد السادس عن أكثر من 200 معتقلا.

وقبل هذا، التقى مبعوث الأمين للأمم المتحدة بجميع الأطراف المعنية بملف الصحراء، إذ التقى، بالمغرب في غضون شهر أكتوبر 2005، الملك محمد السادس والوزير الأول إدريس جطو ووزير الشؤون الخارجية والتعاون محمد بنعيسى ووزير الداخلية آنذاك مصطفى الساهل والوزير المفوض للشؤون الخارجية الطيب فاسي فهري والمنسق مع "المينورسو" حميد شبر، وقام بزيارة مماثلة إلى الجزائر التقى خلالها قياديي جبهة البوليساريو والقادة الموريطانيين، وخرج المبعوث الأممي بخلاصة مفادها أن المغرب أكد من جديد أنه لن يقبل استفتاء يشمل خيار الاستقلال، ويقبل إجراء مفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول من الطرفين شريطة أن يتم في إطار حكم ذاتي تحت السيادة المغربية، في حين ظلت جبهة البوليساريو، بدعم غير مشروط من طرف الجزائر، تؤكد أن الطريق الوحيد لإيجاد حل نهائي هو اعتماد أحد الخيارين: إما تطبيق "مخطط السلام لتقرير المصير" أو مخطط التسوية الأصلى، وكلا الخيارين يؤديان إلى تقرير المصير عبر الاستفتاء. أما موريطانيا فأكدت موقفها الحيادي اتجاه القضية برمتها.

وبخصوص لقائه مع السلطات الإسبانية، الفرنسية، البريطانية والأمريكية، أكد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، أنها تؤكد على ضرورة التوصل إلى حل للقضية من أجل تمكين "الصحراويين من حقهم في تقرير المصير".

وخلال هذه الفترة، لاحظ المراقبون الدوليون أن البوليساريو قامت بنشر مقاتلين على الحدود ببعض النقط خلف جدار الرمال، كما عملت على تحسين جملة من البنيات التحتية ببعض النقط، من ضمنها تيفاريتي قامت ومن حين لآخر بافتعال مظاهرات مدنية بالحزام الأمني.

ومهما يكن من أمر، تأكد الآن بفعل التطورات التي أضحت تعرفها المنطقة عموما أن استمرار جمود ملف الصحراء وبقائه على حاله لن يؤدي، آجلا أو عاجلا، إلا إلى جملة من وصفات العنف الذي لن يؤدي بدوره إلا إلى المزيد من إقصاء حل نهائي للقضية وبالتالي فلا مخرج سوى باللجوء إلى مفاوضات مباشرة ولا خيار إلا البحث عن صيغة تجمع بين الشرعية الدولية والواقع السياسي القائم حاليا هنا تكمن الصعوبة، باعتبار أن المغرب يرفض أي مخطط يقبل باستفتاء يتضمن خيار الاستقلال وأن البوليساريو، رسميا وعلينا، يقر أن لا حل إلا عبر حق تقرير المصير.

فهل، والحالة هذه، تكفي المراهنة على مفاوضات سرية مع قادة البوليساريو لتمكينهم من احتلال مواقع مهمة والاستفادة من امتيازات في إطار المنظور المغربي لطي ملف الصحراء؟


هل حل القضية أضحى ضروريا اليوم؟


عمر مشكل الصحراء أكثر من ثلاثة عقود وظل طافيا على السطح رغم توجه اهتمام الرأي العالمي نحو العراق والشرق الأوسط.

لكن، لم يسبق أن برز الحديث عن ضرورة حل نهائي للمشكل بهذا الإلحاح، فلماذا أضحى إيجاد حل لمشكل الصحراء ضروريا وفي أقرب وقت؟ هل هناك مستجدات تفيد بإمكانية التخلص نهائيا من هذا النزاع الذي عمر طويلا؟

هناك ثلاثة عوامل على الأقل تقود الأطراف المعنية إلى التفكير الجدي في إيجاد حل سريع للمشكل.

على الصعيد الداخلي انفجرت مظاهرات ببعض المدن الصحراوية (العيون، السمارة) رفعت خلالها أعلام الانفصاليين ورددت فيها شعارات تطالب بحق تقرير المصير وأخرى مناهضة كليا لموقف المغرب بخصوص قضية وحدته الترابية، كما برزت مطالب "البوليساريو الداخل" بشكل لم يسبق له مثيل ومن عمق التراب المغربي.

ويبدو أنه، منذ 1999، تحولت المطالب في الأقاليم الصحراوية من طبيعة اجتماعية إلى طبيعة سياسة تطغى عليها درجة كبيرة من الراديكالية أحيانا.

أما على الصعيد الدولي، بدأت واشنطن ترى في منطقة الساحل بؤرة في طور استقطاب الإرهابيين وحسب جملة من التقارير المخابراتية، تحتضن المنطقة حاليا عناصر تابعة لتنظيم القاعدة وجملة من مقاتلي جبهة البوليساريو الذين نال منهم اليأس وفقدوا الأمل في الغد.

وعلى الصعيد المغاربي، لم تعد الجماهير الشعبية قادرة على المزيد من تحمل انعكاسات مشكل الصحراء، وهذا ما لمسه القائمين على الأمور. كما أن علاقات دول المنطقة مع أوروبا وتفعيل آليات الشراكة معها تستوجب درجة من الاستقرار بالمنطقة ومن الاندماج بين دولها والذي يتطلب وقتا طويلا.

وهذا على المستوى العلني، أما بخصوص الجوانب الخفية، فقد أكدت جملة من التقارير المخابراتية إسرائيلية وأوروبية وأسيوية، أن واشنطن في واقع الأمر، لازالت غير متحمسة للوصول إلى حل نهائي شامل لمشكل الصحراء، علما، أن بعض تلك التقارير كشفت بعض جوانب الرؤية الإستراتيجية لواشنطن بخصوص المنطقة. إنها تبحث عن موطئ قدم بها، لكن بقرار أحادي الجانب وإنما بطلب من جهة أخرى، (الأمم المتحدة أو إحدى بلدان المنطقة) وذلك لأن مصالحها الإستراتيجية أضحت رهينة حاليا بالاقتراب من موارد النفط بإفريقيا، إن هي أرادت أن لا يتأثر اقتصادها بتداعيات تردي الوضع بالشرق الأوسط والعراق على وجه الخصوص.

ولعل هذا السبب الأخير هو الذي سيدفع الأطراف المعنية بنزاع الصحراء بقبول مبدأ البحث عن توافقات في السر، بالرغم من أن الخطابات الرسمية تفيد أن كل طرف لازال متشددا في تشبته بموقفه الخاص.


محمد عبد العزيز في ورطة


محمد عبد العزيز، عضو مؤسس لجبهة البوليساريو، انتخب في مكتبها السياسي منذ مؤتمرها التأسيسي سنة 1973، كان قائدا عسكريا لإحدى المناطق بالحمادة قبل انتخابه أمينا عاما مكان الولي مصطفى السيد ورئيسا لمجلس قيادة الثورة ثم رئيسا "للجمهورية الصحراوية" منذ سنة 1976. يعاني الآن من جملة من المشاكل، منها الاتهامات الكثيرة الموجهة إليه والوضع المهزوز للجبهة التي يترأسها ومن التهم الموجهة إليه السمسرة القذرة في بؤس سكان المخيمات والمتاجرة في أوضاعهم المزرية للحصول على أموال دأب على تهريبها إلى الخارج. كما يتهمه الكثيرون بتحويل المؤسسات والوزارات "الأشباح" والسفارات إلى أملاك خاصة يستفيد منها بمعية المقربين له على حساب الصحراويين. كما استفاد كثيرا من تحويل مخيمات الحمادة إلى سوق سوداء للتهريب والاتجار في المساعدات الإنسانية، الشيء الذي مكنه من مراكمة ثروة هائلة

وأكد أكثر من مصدر أن حصة الأسد من المساعدات الإنسانية الدولية الممنوحة للبوليساريو تباع في أسواق نواكشوط بموريتانيا ومالي وغيرها وتوضع أموالها في جيوب بعض القادة ليتم تهريبها إلى الخارج وتوضع في حسابات بنكية باسمهم.

وعموما، ظل محمد عبد العزيز المستفيد الأول في ظل ارتمائه في أحضان المخابرات الجزائرية منذ البداية مغلفا وضعه هذا بالانزواء في كنف الفكر القبلي والعشائري. وبما أنه مستفيد من الوضع القائم أكثر من غيره، ظل راضخا لتوجيهات أولياء نعمته المخابرات الجزائرية.

وبذلك سيكون من الطبيعي أن يجتهد في البحث عن مخرج يجعله بمنأى عن المحاسبة أو المحاكمة.

وحسب العارفين ببواطن الأمور بتندوف، أن كل من محمد عبد العزيز والبوهالي يعملان جاهدين للخروج من الوضع الحالي غانمين، مادام مسار الأمور، سواء داخل الجبهة أو على الصعيد المغاربي أو العالمي، تسير نحو تضييق الخناق عليهما. لذا يعتقد البعض أن لا خيار لهما الآن إلا قبول حل في إطار الرؤية المغربية.


كيف الخروج من النزاع؟


حسب أغلب محللي العلاقات الدولية، هناك عوامل ذات طبيعة مختلفة لازالت تفعل فعلها في قضية النزاع بخصوص الصحراء: العوامل المعيقة من جهة وبروز وقائع جديدة من جهة أخرى.

بخصوص العوامل التي تعيق الخروج من النزاع، فهي متعلقة بالأساس بمواقف الأطراف المعنية: حكم ذاتي موسع بالنسبة للمغرب و حق تقرير المصير بالنسبة لجبهة البوليساريو والجزائر، علما أن موقف المغرب عرف تطورات هامة، في حين أن موقف كل من البوليساريو والجزائر ظل جامدا، رغم أن هذه الأخيرة ظلت تلوح بأن لا مصلحة مباشرة لها في الصحراء وأن موقفها محكوم بمواقفها المبدئية لا غير وهذا مجانب للصواب، باعتبار المصالح الآنية والإستراتيجية والجيوسياسية التي ظلت تحركها حتى قبل افتعال مشكل الصحراء.

يرى المغرب أن اعتماد حكم ذاتي موسع يشكل الحل الأنسب الذي لا يحرج أي طرف من أطراف النزاع ويؤكد أحد محللي العلاقات الدولية أن المغرب ربط اختياره للحل بطبيعة النظام السياسي وضمان مخرج لا يمكن أن يعتبره أحد بمثابة هزيمة أو تخل عن موقف مبدئي حكم مسار السياسة الداخلية والخارجية المغربية على امتداد أكثر من 30 سنة، ومع ذلك فإن اعتماد هذا الحل يستوجب تعديلات دستورية ومؤسساتية وهذا ما يخيف السلطات المغربية التي ما زالت لم تحدد بعد فحوى ومضمون الحكم الذاتي الموسع المقترح كحل لطي ملف الصحراء نهائيا.

والإشكالية قائمة الآن بين اعتبارات السيادة المغربية على الصحراء وضرورة تكريس حق الاستقلالية للصحراويين في تدبير شؤونهم المحلية. لكن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، باعتبار أن مناطق أخرى من المغرب ستطالب بنفس الحق. وفي واقع الأمر، إن قضية الحكم الذاتي تستوجب الإجابة على جملة من الأسئلة المصيرية: من له الحق في التشريع؟ هل الرباط ستستمر الرباط في التحكم في مداخيل الثروات الطبيعية أم أن الجهة هي التي ستتكلف بذلك؟ فالحكم الذاتي في الحقيقة مازال مجرد تصور لم تظهر معالمه بعد.

فهل هذا يعني أن كل من الموقفين، الموقف المغربي (الحكم الذاتي الموسع) وموقف البوليساريو والجزائر (الاستفتاء، تقرير المصير) يصعب تطبيقهما حاليا؟

هذا بخصوص العوامل المعيقة، أما فيما يرتبط ببروز وقائع جديدة، فإن بعض الفاعلين السياسيين بدأوا ينظرون للقضية بطريقة مغايرة لما كان سائدا في السابق. ففي المغرب، نلاحظ أن الأحزاب السياسية تسعى إلى التموقع. فحزب الاستقلال انتقد فكرة الحكم الذاتي، في حين اختار حزب العدالة والتنمية اعتماد المزايدات بخصوص ملف الصحراء ويفضل فتح حوار وطني حوله.

وترى بعض الأحزاب والتنظيمات اليسارية أن اعتماد الحكم الذاتي بخصوص الصحراء يشكل فرصة تاريخية ثمينة وذلك باعتبار أنه يستوجب تعديلا دستوريا ومؤسساتيا، ويشكل ضربة حظ لإحداث تغييرات سياسية وتوسيع مجالات تكريس الديمقراطية الحقة، وعموما يرى الكثيرون أنه يجب إشراك الجميع في ملف الصحراء الذي ظل تدبيره حكرا على القصر وبعض أقرب المقربين إليه.

أما في الجزائر، فإن الأمر لا يهم الأحزاب بقدر ما يهم أشخاصا. ورغم أن الموقف بخصوص الصحراء لم يطرأ عليه تغيير، فإن الجزائر عرفت بعض التغييرات على صعيد تموقعها إقليميا وإفريقيا وعالميا، فعلى المستوى الداخلي حدث تقارب بين الرئيس بوتفليقة والجيش بخصوص قضية الصحراء والعلاقات مع المغرب. كما أن علاقاتها، الاقتصادية والعسكرية في نطاق مكافحة الإرهاب، مع أمريكا قد توطدت أكثر من أي وقت مضى. وإذا كانت الجارة الشرقية بلد غني فإنها لازالت تشكو من عدم الاستقرار السياسي. وهذه الوضعية تجعلها تحافظ على نفس الموقف بخصوص قضية الصحراء وتستمر في مساندة جبهة البوليساريو. وفي وقت أضحت فيه الوضعية بالساحل تقلق واشنطن.

و بالمغرب العربي هناك من يعتقد، أن الولايات المتحدة تتوفر على الإرادة والقوة اللازمتين لفض النزاع الصحراوي، لكن مازال من غير الواضح تحديد كيفية توظيف هذه القوة.


فكرة الالتحاق بالمغرب ظلت تسكن محمد عبد العزيز


لقد سبق لمحمد عبد العزيز، الأمين العام لجبهة البوليساريو ورئيس "الجمهورية الصحراوية"، أن صرح لأحد المغاربة، المكلفين من طرف وزير الداخلية إدريس البصري بربط الاتصال به، بأنه على استعداد للالتحاق بالمغرب إن توفرت جملة من الشروط، وقد حدث هذا في فجر التسعينيات.

وبدأت القصة بتكليف امحمد سرحان، رئيس مكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بروما (إيطاليا) من طرف وزير الداخلية آنذاك، إدريس البصري، بجمع معلومات عن الانفصاليين وعن مخيمات تيندوف. وللإشارة، إن الصور الأولى التي بثتها التلفزة المغربية والخاصة بتلك المخيمات أنجزت بفضله، حيث قام بتكليف أحد الصحفيين الإيطاليين بانجاز تحقيق مصور عن المخيمات بدعوى بثه على إحدى القنوات الإيطالية. وبعد ذلك، سعى امحمد سرحان إلى محاولة الاتصال ببعض قادة البوليساريو وتمكن بعد جهد جهيد من لقاء محمد عبد العزيز بأروبا مرتين وتحدث معه حول إمكانية التحاقه بالمغرب بعد أن أذن له إدريس البصري شخصيا بذلك.

وأكد امحمد سرحان أن محمد عبد العزيز لم يرفض الفكرة وإنما قرنها بتوفير جملة من الشروط.

وبعد أن أعد رئيس مكتب وكالة المغرب العربي بروما تقريرا مفصلا مرفوقا ببعض المستندات، اتجه إلى المغرب بأمل لقاء إدريس البصري، لكن هذا الأخير تماطل كثيرا وتأكد امحمد سرحان أنه لا يرغب في لقائه وإنما ما يهمه هو وضع يده على ملف المهمة.

أقام امحمد سرحان بفندق حسان بالرباط أكثر من أسبوع في انتظار لقاء الوزير، لكنه فوجئ بزيارة أحد المبعوثين من طرف الوزير لأخذ ملف المهمة ورغم رفض امحمد سرحان تسليم الملف تكررت العملية أكثر من مرة، لكنه ظل يطالب بلقاء مباشر مع الوزير لتسليمه الملف شخصيا.

غادر امحمد سرحان الفندق وانتقل إلى منزله الكائن بحي الليمون بالرباط، وبعد أيام فوجئ بحضور عناصر من الديسطي أخذوه إلى مقرها الكائن (سابقا) بحي السويسي حيث احتجز هناك مدة 15 يوما خضع فيها للمساءلة والاستنطاق بخصوص أمور لا تمت بصلة بالمهمة التي سبق وأن كلفه بها وزير الداخلية، إدريس البصري، أخلي سبيله بعد سحب جواز سفره منه وبعد أيام تم اعتقاله من طرف الشرطة القضائية وتقديمه لمحكمة العدل الخاصة بالرباط بتهمة اختلاس مبلغ مالي يهم أجر إحدى الإيطاليات العاملة بمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بروما وأدين بأربع سنوات سجنا نافذا قضاها بالمركب السجني بسلا.


لغة المفاوضات السرية تختلف عن لغة التصريحات الرسمية


أكد لنا مصدر أن لقاءات سرية تجري حاليا مع بعض قادة جبهة البوليساريو وهي محادثات يبدو أنها تعتمد لغة مغايرة لفحوى ومضمون التصريحات الرسمية المعلن عنها من طرف الانفصاليين والتي تفيد التصعيد أكثر ما تفيد أنها تسعى فعلا للبحث عن حل نهائي لنزاع الصحراء. وتشير بعض المعلومات التي توصلت بها أسبوعية "المشعل" أن اللقاءات السرية تهم بالأساس البحث عن مخرج يتجه نحو إرضاء بعض الشخصيات الوازنة في قيادة البوليساريو في إطار الرؤية المغربية لفض النزاع والذي حظيت بقبول عالمي واسع النطاق.

وفي هذا الصدد، ذهبت بعض المعلومات إلى حد اعتبار أنه من الممكن أن يحظى محمد عبد العزيز بموقع مهم في بنية الحكم الذاتي الموسع المزمع تطبيقه بالأقاليم الصحراوية (ربما حاكم المنطقة) بمعية قادة آخرين للجبهة.

وإذا كانت جملة من المؤشرات تفيد بأن محمد عبد العزيز سيكون أشد المتحمسين للتوصل إلى حل توافقي في أقرب وقت ممكن للخروج من الوضع الصعب الذي يعيشه حاليا، فإن هناك جملة من العوامل التي من شأنها عرقلة هذه المسعى. وأهم هذه العوامل موقف الجزائر الذي سيظل رافضا لهذا المسار وقد يبلغ بها الأمر إلى تضييق الخناق على محمد عبد العزيز وتجميد أرصدته بالخارج وشركاته التي أسسها مع شركاء جزائريين وأجانب. فإذا سار محمد عبد العزيز في هذا المنحى، لن تظل المخابرات الجزائرية مكتوفة الأيدي، وأقل ما يمكن أن تقوم به هو العمل على قلب الموازين بقيادة جبهة البوليساريو وقد تخطط "لانقلاب" لتعويضه بعنصر أكثر ولاء لها واستعدادا للدفاع عن المواقف الجزائرية.

وفي هذا الصدد، يبدو، خلافا لما يشاع حاليا، أن تيار خط الشهيد يمكنه أن يقوم بهذه الهمة حاليا تحت غطاء حملة الإصلاح والتغيير من داخل الجبهة، لاسيما وأن هذا التيار يجمع في صفوفه نخبة الصحراويين الأكثر جرأة على انتقاد القيادة الحالية للجبهة والقدرة على إعطاءها نفسا جديدا لتجاوز حالة اليأس والإحباط السائدة في صفوف سكان المخيمات، وحسب المعلومات التي نتوفر عليها تعمل حاليا المخابرات الجزائرية على محاولة احتواء جملة من العناصر البارزة داخل هذا التيار تحسبا لما ستسفر عليه التطورات القادمة.

وفي حالة رجوع محمد عبد العزيز إلى المغرب، فهل سيقبل الصحراويون به كحاكم للأقاليم الصحراوية؟ وكيف سيتمكن من الحفاظ على مصالحه؟ وكيف سيكون رد فعل تيار "بوليساريو الداخل"؟ وما هي انعكاسات كل هذا على التيارات الأخرى داخل جبهة البوليساريو؟

إنها بعض الأسئلة التي بدأت تبرز مع بدايات اللقاءات السرية الأولى، وكلها أسئلة تستوجب أجوبة باعتبار أن نهج التعاطي مع القضايا المرتبطة بها ستكون له انعكاسات فورية وستولد مواقف متباينة من طرف مختلف الأطراف ذات الصلة بنزاع الصحراء.

من الأكيد أن حدة مثل هذه التساؤلات مازالت لم تبرز بعد بوضوح باعتبار أن اللقاءات والمفاوضات في بدايتها ولم تأخذ بعد الطابع الرسمي، ولم يعرف بعد هل ستقتصر على القيادة الحالية لجبهة البوليساريو أم أنها ستشمل شخصيات وتيارات أخرى؟

فالجانب الجزائري سيصر لا محالة على إبعاد كل العناصر التي ستبتعد عن الموقف الجزائري الرامي حاليا إلى عرقلة مسار التسوية في إطار الرؤية المغربية، كما أن المغرب سوف لن يقتصر على الاعتماد على المفاوضات مع القادة الحاليين، لاسيما وأن تيارات أخرى في طريق السعي لفرض كلمتها مع استمرار المفاوضات.

والمتتبع للتطورات الأخيرة، يخرج بقناعة أن محمد عبد العزيز لا يشكل الورقة الوحيدة التي من شأنها تمكين المغرب من إيجاد حل لنزاع الصحراء في إطار رؤيته.

ومن جانب آخر، وعلى المستوى الداخلي، فهل اعتماد حل تمكين بعض قادة البوليساريو من احتلال مواقع هامة في إطار تطبيق الحكم الذاتي الموسع بالصحراء سوف لن يثير ردود فعل الصحراويين الذين ظلوا يتشبثون بمغربيتهم منذ البداية؟

وفي هذا الصدد يقول رأي إن أضمن السبل بالنسبة للمغرب هو الاعتماد بالأساس على الصحراويين المتشبثين بمغربيتهم وما يسمى حاليا "بوليساريو الداخل" لضمان نسبة مريحة من قبول الحل النهائي الذي ستسفر عنه المفاوضات.

ومن المعلوم أنها ليست المرة الأولى التي تجرى فيها مفاوضات سرية مع الانفصاليين، إذ أنها بدأت منذ فجر الثمانينيات، وفي كل مرة كانت تتوقف بفعل التداعيات التي عرفتها القضية وما رافقها من أحداث.

في واقع الأمر، بدأ الحديث عن المفاوضات بين المغرب والبوليساريو منذ زمن طويل.

ففي سنة 1978 قام الرئيس المالي "تراوري" آنذاك بالوساطة وبدأت الجولة الأولى من المفاوضات في باماكو لكنها سرعان ما توقفت مع وفاة الرئيس الجزائري الهواري بومدين.

وفي سنة 1983، بدأت جولة جديدة من المفاوضات بالجزائر وسرعان ما توقفت، هي كذلك، مع إبرام اتفاق وجدة بين المغرب وليبيا التي تعهدت بموجبه إيقاف مساعدتها لجبهة البوليساريو. وتلتها مفاوضات سنة 1989 بالمغرب والتي عرفت نفس مآل سابقاتها. علما أن منظمة الوحدة الإفريقية طالبت في صيف 1982 بإجراء مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهذا ما أكدته من جديد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1986.

وتفيد معلومات أن خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، هو المكلف بالمفاوضات السرية مع قادة البوليساريو بهدف التوصل إلى توافق مرض في إطار الرؤية المغربية لفض النزاع.

ومهما يكن من أمر، ظلت فكرة المفاوضات المباشرة السرية قائمة حتى في أوجه تصاعد التصريحات المضادة. والجزائر نفسها سبق لها، على لسان وزير خارجيتها أن أعلنت عن استعداداها للقيام بدور الوساطة لدفع المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو لحل نزاع الصحراء علما أنها رفضت علنيا دعوة فرنسية في 2004، للاشتراك في ندوة رباعية تضم المغرب، البوليساريو، الجزائر وفرنسا.

وخلافا للسابق، أضحى المغرب ينادي بمفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو، وهذا ما أعلن عنه خليهن ولد الرشيد الذي قال بصريح العبارة، إن المغرب مستعد لإجراء مفاوضات مباشرة مع البوليساريو، مضيفا، بالرغم من أنها لا تمثل جميع الصحراويين، بل ذهب أبعد من هذا حيث قال إن المغرب مستعد لقبول تولي محمد عبد العزيز، الأمين العام لجبهة البوليساريو ورئيس "الجمهورية الصحراوية"، رئاسة حكومة محلية في الصحراء تحت السيادة المغربية إن كان راغبا في الترشح لهذا المنصب وانتخبه الصحراويون.

ومن المعلوم أن الأمم المتحدة دعت على لسان أمينها العام، مؤخرا، بضرورة إجراء مفاوضات بين الأطراف للتوصل إلى حل توافقي بين الشرعية الدولية والواقع الحالي الذي تعيشه المنطقة، وذلك في اتجاه بلورة حل متفق عليه يضمن حق "الشعب الصحراوي" في تقرير مصيره. وعموما، دعا كوفي عنان كل من المغرب والبوليساريو لإجراء مفاوضات قصد التوصل لحل توافقي مع اقتراح مشاركة الجزائر فيها ووافق المغرب على ذلك شريطة أن تكون في إطار الحكم الذاتي الموسع تحت سيادته.

كما أن هناك جناح في جبهة البوليساريو يقبل التفاوض مع المغرب قصد التوصل إلى حل نهائي ودائم للقضية، خاصة وأن جملة من قادة البوليساريو يرون أنه حصل تغيير مهم في الموقف المغربي.

لقد أضحى حاليا أنه لا سبيل لحل نزاع الصحراء إلا عبر المفاوضات واعتبارا للمعطيات المتوفرة، يبدو أنه ستتجه نحو مسارين اثنين أكثر احتمالا. الأول، إجراء مفاوضات علنية مع قيادة البوليساريو وقد يستلزم هذا المسار تغييرا في القيادة الحالية. أما المسار الثاني، فهو إجراء مفاوضات سرية مع أبرز قادة البوليساريو للتوصل إلى حل يسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام الجناح المتشدد بالجبهة والجزائر وإبرام اتفاق مع القادة يضمن لهم مواقع هامة.

وفي هذا الإطار بدأ الحديث عن إمكانية احتلال محمد عبد العزيز منصب حاكم الصحراء في إطار السيادة المغربية، فهل فعلا "رئيس الجمهورية الوهمية" سيسير على هذا الدرب اعتبارا للوضعية واعتبارا للانتقادات الموجهة إليه وإلى رفاقه في القيادة من طرف أكثر من جهة؟


الحل، يستوجب التفاوض


اتفق أغلب محللي العلاقات الدولية أن التوصل إلى حل نهائي دائم بخصوص قضية الصحراء أضحى يستوجب، أكثر من أي وقت مضى، سلك درب المفاوضات، واعتبر بعضهم أن هذا المسلك يستوجب بدوره تغيير قيادة جبهة البوليساريو مادام أنها لازالت تحت وطأة المخابرات الجزائرية ومن المفروض عليها الخضوع، لولية نعمتها، الجزائر. وأفادت مصادر أن تيارات أخرى داخل جبهة البوليساريو بصدد تهيئ أرضية للمفاوضات مع المغرب.

فمن الحلول التي برزت في فترة تاريخية سابقة، حل التقسيم، علما أن المغرب سبق له أن وافق على تقسيم الصحراء المغربية مع موريتانيا في عهد الرئيس المختار ولد دادة سنة 1975. وتلا ذلك، اتفاق آخر بخصوص الحدود بين البدلين، إلا أنه سرعان ما تجاوزتهما الأحداث بفعل حدوث انقلاب بموريتانيا.

وعندما تأزم الوضع نادى المجتمع الدولي بالبحث عن حل نهائي للقضية، آنذاك خرجت الجزائر عن السرب واقترحت، عكس التيار العام، حلا يقضي بتقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو وبذلك انكشف أمرها بجلاء وتأكد للجميع أن ما تنادي به بخصوص مبدأ تقرير المصير هو مناقض لما تضمره.

وحسب أحد المصادر المطلعة بتندوف، هناك جماعة من قادة جبهة البوليساريو وأشخاص كلمتهم مسموعة في صفوف جماهير المخيمات، بصدد تهييئ أرضية كمنطلق للمفاوضات مع المغرب لإيجاد حل نهائي للقضية على ضوء مخطط السلام الأممي وقرارات الأمم المتحدة والمقترح الأخير للمغرب. علما أن بعض عناصر هذا التيار لا زالت تضع كحد أدنى، لا يمكن التنازل عنه ألا وهو "احترام إرادة الشعب الصحراوي" وهو نفس التيار الذي وجه انتقادات شديدة بخصوص المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية باعتباره لا يمثل كل الصحراويين المتواجدين بالمغرب ويذهب بعض عناصر هذا التيار، الموافق على إجراء مفاوضات مع المغرب، إلى القول إن الحل يجب أن ينطلق من تمكين الصحراويين من التعبير عن رأيهم بحرية وتقرير مصيرهم، وإن اختاروا الاندماج في المغرب فلهم ذلك، وإن اختاروا الاستقلال وجب احترام رأيهم.

وعموما، أجمعت مختلف قوى المجتمع الدولي على أن الحل الأكثر قبولا للتطبيق والأكثر ضمانا للاستقرار بالمنطقة هو الحل السياسي المتفق عليه والمتفاوض بشأنه. هذا في وقت مازالت تتجه فيه البوليساريو والجزائر، حسب التصريحات الرسمية والعلنية، نحو المناهضة القوية لمقترح الحكم الذاتي الموسع بالأقاليم الصحراوية تحت السيادة المغربية، علما أن بعض المعلومات المتسربة تفيد أن اللقاءات السرية مع عناصر من قيادة جبهة البوليساريو قد تسير في منحى مغاير لمضمون تلك التصريحات العلنية.

وفي هذا الإطار، بدأت تحركات خليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، تثير الكثير من الجدل بخصوص قيمتها ومرتكزاتها والأهداف المتوخاة منها.

ويرى الكثيرون أن تصريحاته وتحركاته لا تلزم المجلس، باعتبار أنه لا يتحرك استنادا على خطة أو إستراتيجية واضحة ساهم في بلورتها مختلف أعضاء المجلس.

أما عمر الحضرمي، عامل مدينة سطات وأحد قادة البوليساريو البارزين الذين التحقوا بالمغرب مبكرا منذ الإعلان عن شعار "الوطن غفور رحيم"، فقد أعلن عن رفضه للحكم الذاتي نظرا لغياب نخبة سياسية صحراوية مستقلة، وكل نخبة من صحراويي المخيمات ستظل تابعة، بشكل أو بآخر للجزائر.


الوضع القائم بالمخيمات


من العوامل التي، من شأنها دفع محمد عبد العزيز ورفاقه نحو البحث عن مخرج عبر المفاوضات السرية، الوضع القائم بالمخيمات الذي أضحى يدعو إلى القلق أكثر من السابق.

إن استمرار تردي الوضع المعيشي وتفاقم الأزمة الحادة في مختلف مجالات الحياة جعلت الأغلبية الساحقة لسكان المخيمات يفقدون الأمل في قيادة البوليساريو معتبرين أن أملهم الوحيد هو إيجاد مخرج نهائي لنزاع الصحراء، لاسيما وأنهم ظلوا يعاينون استشراء كل أشكال الفساد والانحراف في صفوف القائمين على أمورهم، الشيء الذي أكد لهم أن كل الشعارات المرفوعة أضحت مجرد سراب.

ومما زاد الطين بلة، تحويل المخيمات إلى سوق سوداء للتهريب والمتاجرة في المساعدات الإنسانية والذي اغتنى بواسطته بعض القادة وكانت النتيجة هي التسليم بالأمر الواقع بعد انسداد الأفق.

وفي ظل هذه الأوضاع، فضلت أغلب الكفاءات مغادرة المخيمات للتوجه إما إلى المغرب أو إلى أوروبا بهدف تحصيل كسب مادي لتحسين ظروفها المعيشية.

وبذلك يكون الوضع المزري القائم بالمخيمات من العوامل التي ستدفع محمد عبد العزيز إلى البحث عن مخرج للإفلات من المساءلة وتحمل عواقب استمرار المزيد من تردي الأوضاع.


"ولدي العاق، لا زال ينفخ في الرماد"


ظل محمد البشير الركيبي الذي تجاوز عمره التسعين، والد محمد عبد العزيز الأمين العام لجبهة البوليساريو، يناشد ابنه "العاق" بالعودة إلى المغرب الذي رباه على حبه للوطن والإخلاص إليه، علما أن الصلة انقطعت بين الأب والابن منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، لم يلتق به منذ أن كان محمد عبد العزيز يتابع دراسته بالرباط ومنها اتجه على حين غرة وبدون سابق إنذار إلى الجزائر.

منذ ذلك الوقت، ظل محمد البشير الركيبي يرى أن ابنه "العاق" ينطبق عليه قول الشاعر:

ولو في النار تنفخ لاستنارت

ولكن أنت تنفخ في الرماد

لقد أسمعت ولو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي


الخطاب الغربي يخفي ما يخفيه


طرأ مؤخرا تغيير ملحوظ في الخطاب الغربي عموما بخصوص ملف الصحراء، إذ أن الخطاب السياسي الذي بدأت تتعامل به كل من واشنطن ومدريد وباريس مع النزاع حول الصحراء أضحى يكتسي تحولا نوعيا تجاه طبيعة الحل الذي تتوخاه تلك العواصم لهذه القضية – فكلها أكدت على ضرورة فتح حوار ومفاوضات بين المغرب والجزائر لإيجاد صيغة نهائية متوافق عليها لتسوية النزاع. وأحيانا تنضاف موريطانيا كطرف مباشر في النزاع.

وإذا كان المغرب قد تمكن في السنوات الأخيرة من تحقيق بعض التقدم على المستوى الديبلوماسي على الصعيد الإفريقي وعلى صعيد أمريكا الجنوبية، فإن دعم الأطراف الأوروبية والأمريكية لإيجاد حل لملف الصحراء مازال يكتنفه بعض الغموض، لاسيما الموقف الأمريكي، إذ أشارت بعض التسربات من المخابرات الأمريكية أن واشنطن غير متحمسة لإيجاد صيغة لحل نهائي للمشكل في أسرع وقت ممكن، باعتبار أن مصلحتها الإستراتيجية تقضي، على العكس من ذلك، باستمرار المشكل وتأزيم الوضع بالمنطقة سعيا وراء إمكانية التدخل ووضع أقدامها بها بدعم من بعض دول المنطقة للتحكم في النفط هناك ما دام أن الأوضاع بالشرق الأوسط والعراق لا تنبئ بالتوصل/إلى استقرار نسبي في الأمد القريب والمتوسط.

وإذا كان الخطاب الغربي المعلن عنه، يفيد أن كبريات العواصم الغربية تخشى بروز "أفغانستان أو عراق" جديدين بمنطقة شمال إفريقيا أو جنوب الصحراء، لاسيما المنطقة الواقعة بين المغرب، الجزائر، موريطانيا، التشاد، النيجر ومالي، فإن الإستراتيجية الأمريكية غير المعلن عنها بخصوص المنطقة، تسير في اتجاه معاكس ذلك، إذ تسعى إلى اقتناص فرصة لوضع القدم تحت غطاء "شرعية دولية" مفتعلة أو بطلب من إحدى دول المنطقة، وما الترويج لفكرة ضرورة استقرار المنقطة لتسريع عملية التبادل التجاري بين دول المنطقة لكونه يوفر فرصا اقتصادية واستثمارية مهمة للأمريكيين والأوروبيين، في نظر جملة من المحللين الإستراتيجيين، إلا غطاء للنوايا الحقيقية للإستراتيجية الفعلية لواشنطن بخصوص هذا الجزء من العالم الذي أضحى يلعب دورا إستراتيجيا لتفادي ضرر المصالح الأمريكية لاحقا بفعل استمرار تردي الوضع الأمني بالشرق الأوسط.


تهديدات محمد عبد العزيز لماذا؟ ولأية غاية؟


أقر البعض بوجوب أخذ التهديدات الأخيرة التي أعلنها محمد عبد العزيز مأخذ الجد لاعتبارين، أولا، إن مجرد انطلاق شرارة الحرب بالصحراء من جديد سيكون وخيما لأن مداه سيكون أوسع وأعمق من السابق، نظرا لتدخل عنصر جديد لم يكن حاضرا من قبل، وهو اهتمام جملة من التنظيمات الإرهابية بالمنطقة كحلقة ضعيفة في خريطة المراقبة الأمريكية للعالم وثانيا، لأن واشنطن تسعى في الخفاء، وبقوة، لوضع قدمها بالمنطقة لضمان مراقبة منابع النفط ما دام التحكم في نفط الشرق الأوسط أصبح عسيرا.

وفي هذا الصدد، يقول أحد المحللين إن واشنطن لن تدعم، فعلا وفعليا، أي حل نهائي لقضية الصحراء حاليا، ما دام أنه لا يخدم مصلحتها الإستراتيجية والتي مازالت تتستر عليها، عكس ما تظهره تصريحاتها العلنية.

لقد هدد محمد عبد العزيز، في آخر خرجاته الإعلامية، إذ قال إن العودة إلى الحرب الشاملة مع المغرب مازالت في الحسبان وتعد أحد الاختيارات القائمة.

كما أن جملة من تصريحاته الأخرى توحي بأنه إن سدت الأبواب في وجهه قد يلجأ لتفعيل العلاقات مع تنظيم القاعدة. علما أن هذه الأخيرة يمكنها أن تشكل مصدرا لأموال في إمكان قادة البوليساريو المتشددين الاغتراف منها لاسيما وأن الدعم الجزائري تقلص كثيرا مؤخرا.

ومع ذلك، تظل جملة من التساؤلات مطروحة، من قبيل لماذا عادت جبهة البوليساريو إلى التهديد بالقيام بعمليات عسكرية في هذا الوقت بالذات؟ ألا يذل هذا التهديد على أنها في وضع مهزوز؟ أم أنها أطلقت تهديداتها ليتمكن قاداتها من انتزاع تنازلات أكثر في مفاوضاتهم السرية مع المغرب؟


أزمة البوليساريو


عرفت جبهة البوليساريو هزات قوية وبرزت داخلها تيارات وحساسيات اعتمدت مسارات مخالفة للمسار الذي سارت فيه القيادة، فهل البوليساريو على وشك الإفلاس؟

ظلت الجبهة مشحونة بالنعرات القبلية، الشيء الذي استغلته المخابرات الجزائرية ولم يسبق للمغرب أن اهتم به لخدمة موقفه وإستراتيجيته.

بعد أكثر من 30 سنة، بدا للمقاتلين الصحراويين أن القضية التي قاتلوا من أجلها أضحت في خبر كان وبدون سند، خلافا لما كان من قبل، وبموازاة مع هذا الشعور ساهم تردي الأوضاع المعيشية في توسيع الإحساس باليأس والإحباط، تعمق هذا الشعور في صفوف المقيمين بمخيمات الحمادة بفعل انفضاح أمر قيادة البوليساريو وانكشاف ارتشاء أبرز عناصرها وتورطهم في تهريب الأموال والحرص على تنمية مصالحهم الخاصة.

وازدادت الأزمة اتساعا مع تكاثر العائدين إلى المغرب وإقصاء بعض القبائل الصحراوية من التمثيلية في القيادة، إذ أن أغلب المحيطين بمحمد عبد العزيز، هم من قبيلة الركيبات.

ومنذ بداية سنة 2005، حاولت قيادة البوليساريو نقل المعركة إلى الأقاليم الصحراوية عبر تحريك نشطاتها هناك (بوليساريو الداخل)، وهذا ما دلت عليه بجلاء الأحداث التي كانت مدن الأقاليم الصحراوية مسرحا لها.

ومن المعلوم أن الوالي مصطفى السيد، مؤسس البوليساريو، لم يكن انفصاليا وإنما تعنت وخيانة القائمين على الأمور بالمغرب هو الذي دفعه إلى السير في المسار الذي اعتمده في النصف الأول من السبعينيات. وقد سبق له أن صرح قبل وفاته قائلا: "لقد أجرمنا في حق شعبنا". كما أنه دأب على أخذ الكلمة في كل مناسبة الاحتفال بيوم الأرض (30 مارس) المحتفى به كل سنة "بكلية الآداب بالرباط" وكان تدخله على الدوام يدور حول فكرة واحدة مفادها، "إذا كان من واجب المغاربة مساندة الشعب الفلسطيني في محنته والدفاع عن قضيته، فعليهم أن لا ينسوا "فلسطينهم"، لأننا نحن المغاربة لنا كذلك "فلسطيننا، وهي الصحراء، وعلينا تحريرها من نير الاستعمار". هذا هو فحوى الخطاب الذي كان يروجه عندما كان طالبا بالرباط، فالوالي مصطفى السيد لم يكن انفصاليا، وإنما القائمون على الأمور والأحزاب السياسية هم الذين دفعوه دفعا إلى الالتزام بالخط الانفصالي، إلى أن أضحى الوالي أحد المراجع التي اعتمدت عليها بعض التيارات المطالبة بالإصلاح والتغيير داخل الجبهة، ومنها تيار "البوليساريو – خط الشهيد".

ظهرت علامات ولادة هذا التيار منذ سنة 2003 مع بروز اتهام القيادة بالتهاون، ودعا إلى العودة لاعتماد الكفاح المسلح. وإذا كان هذا التيار يتبنى المفاوضات المباشرة كوسيلة لحل النزاع، فإنه يرفض إقامة حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية.

ويقول البعض أن من مميزات هذا التيار أنه يسعى إلى التخلص من وصاية وهيمنة المخابرات الجزائرية التي ظلت تتحكم في مسار الجبهة، إلا أنه هناك من يرى هذا التيار مدفوع من طرف المخابرات الجزائرية قصد التصعيد وخلق البلبلة داخل أنصار البوليساريو المتواجدين بالأقاليم الصحراوية وذلك تحسبا لقبول محمد عبد العزيز بالحكم الذاتي والتفاوض للاستفادة منه كشخص.

ويقر هؤلاء بأن المخابرات الجزائرية تهيئ تيار "خط الشهيد" للمرحلة القادمة وأبرز محطاتها إقامة هياكل ومؤسسات "الجمهورية الصحراوية" بالأراضي المغربية في المنطقة العازلة خلف جدار الرمال (تفاريتي) تحسبا لكل مستجد.

أما تيار المتشددين، فإنه لا يرى سبيلا لحل النزاع إلا عن طريق الاستقلال والاعتراف بالكيان الصحراوي، ومن أبرز وجوه هذا التيار محمد الأمين ولد أحمد (رئيس حكومة "الجمهورية الصحراوية" سابقا) ومحفوظ علي بيبة (رئيس المجلس الوطني لجبهة البوليساريو سابقا).

وإذا كان شقيق الوالي مصطفى السيد، البشير مصطفى السيد، من المحسوبين على هذا التيار، إلا أنه أضحى يعتبر الآن أقرب قادة البوليساريو إلى المغرب ومن المعلوم أنه كان من الأوائل الذين طالبوا لقاء الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1983 وفعلا تم ذلك سنة 1989.

ويظل البشير مصطفى السيد من أنصار الحل السياسي للنزاع عبر بلورة حل وسط توافقي بين المغرب والبوليساريو.

وهناك تيار المعتدلين الذي يتزعمه عمر منصور الذي ظل من أكبر الداعين إلى البحث عن حوار مع المغرب، ومنذ بداية سنة 2006 التحق به بعض قادة البوليساريو الداعين إلى حل النزاع القائم عبر مفاوضات مباشرة.

ويظل محمد عبد العزيز أبرز ممثلي التيار الموالي للمخابرات الجزائرية، وهو الذي يحتكر أهم المناصب (أمين عام للجبهة، رئيس "الجمهورية" منذ 1986) منذ بداية مشواره كما يعتبر الأمين ولد البوهالي، وزير الدفاع، يده اليمنى الحريص على فتح أبواب الجبهة للتحكم الجزائري.

وهناك "بوليساريو الداخل" ويتكون من عناصر موالية للجبهة مستقرة بالمغرب، وتأكد وجود هذا التيار عبر المناداة بتأسيس جبهة واد نون والساقية الحمراء ووادي الذهب وهو تيار مناهض للانذماج والانفصال ويقف بينهما.

لكن "بوليساريو الداخل" ليس بالشيء الجديد، فهناك جملة من المؤشرات تدل على وجوده.

ففي بعض المدن الجنوبية كانت أعلام "الجمهورية" تعلق خلسة: بأعمدة الكهرباء في الشارع العمومي في نهاية الثمانينيات والتسعينيات. كما أن هناك أحداث تدل على ذلك، ومن ضمنها ضبط كمية من الأسلحة في حمولة اسمنت جلبتها صهرة أحد الأعيان الصحراويين إلى إحدى المدن الجنوبية عبر البحر من إسبانيا.

ومن المستجدات، بداية الحديث عن "البوليساريو الموازي"، إذ تفيد بعض المؤشرات أن العناصر الموالية للبوليساريو المتواجدة بالمغرب وبالخارج قطعت أشواطا مهمة في تنظيم نفسها.

وفي هذا الصدد، أفادنا أحد المصادر أن المخابرات المغربية تعمل على دعم عناصر من هذا التيار لتجعله طرفا في المفاوضات لقلب الموازين.


البوليساريو والقاعدة والإرهاب


اتهمت أكثر من جهة جبهة البوليساريو وبعض قاداتها بدعم الإرهاب وتناسلت جملة من التصريحات بهذا الخصوص بعد انكشاف أمر أحد قادة جبهة البوليساريو والذي أدين بموريتانيا بتهمة سرقة متفجرات لبيعها لجماعات إرهابية بالمنقطة، كما تحدثت عدة جهات في وقت سابق عن تورط البوليساريو في علاقات مشبوهة مع الإرهابيين وتمكينهم من الاستقرار بأحد المخيمات بتندوف.


وأكدت تقارير صادرة عن المخابرات الأمريكية، الإسرائيلية، الفرنسية والمغربية أن تنظيم القاعدة استقطب جماعة من المقاتلين في صفوف جبهة البوليساريو وأنه عمل على إحداث قواعد بشمال موريتانيا على الحدود المغربية الموريتانية، ولمواجهة هذا المد بلورت واشنطن بمعية بلدان المغرب العربي خطة خاصة أطلق عليها اسم:

TRANS – SAHARA COUNTER TERROR FORCE.

كما سبق لبعض المصادر الغربية (من ضمنها "بي بي سي") أن كشفت مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر أن تنظيم القاعدة سعى جاهدا إلى إقامة معسكرات في منطقة الساحل، وهذا ما دفع الجزائر إلى إبرام اتفاقيات مع واشنطن لأحداث قواعد عسكرية على التراب الجزائري لملاحقة أعضاء القاعدة بالمنطقة. كما أن أحد المحتجزين المغاربة (قضى 20 سنة محتجزا) صرح لإحدى المنابر أنه سمع عندما كان بالسجن أن أسامة بن لادن زار تندوف والتقى بقادة جبهة البوليساريو، وأكد مصدر على ضبط أكثر من 40 مهاجرا غير شرعي من بنغلاديش تحت رعاية البوليساريو في منطقة تيفاريتي مؤخرا.

وفي نفس الاتجاه وجبت الإشارة إلى تهديدات محمد عبد العزيز الذي لوح بالرجوع إلى إطلاق النار سعيا وراء تقوية موقعه في المفاوضات السرية، وليس من المستبعد أن يلجأ بعض قادة جبهة البوليساريو إلى التحالف مع تنظيمات إرهابية إن شعروا أنهم سيفقدون مواقعهم ومصالحهم.

إن مختلف المعلومات المتوفرة بهذا الخصوص تشير إلى وجود تقارب بين "القاعدة" والبوليساريو سعيا وراء فك الحصار المضروب عليها في باكستان وأفغانستان والعراق.

وهذا ما تؤكده الأخبار الواردة من الزويرات (شمال موريتانيا) التي وقع الاختيار عليها باعتبارها أضعف حلقة في خريطة المراقبة الأمريكية للعالم. علما أن تنظيم "القاعدة" وجد في المقاتلين الصحراويين استعدادا لتبني المشروع نظرا للوضعية المأساوية التي يعيشونها منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار سنة 1991.

فبفعل انتشار الشعور باليأس والإحباط، وبفعل تردي الأوضاع المعيشية، من السهل أن ينساق العديد من المقاتلين الصحراويين وراء إغراءات تنظيم "القاعدة" المادية، لاسيما وأن كل الشعارات التي رفعتها جبهة البوليساريو أضحت سرابا، فالتقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة كان بمثابة الضربة القاضية النهائية للجمهورية "الورقية" (الجمهورية الصحراوية) والتي لم يكن لها وجود إلا على الورق والتي لم يسبق لها أن حظيت باعتراف الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو الاتحاد الأوروبي رغم الإعلان عنها منذ أكثر من 30 سنة.

وفي هذا الصدد، تجب الإشارة إلى أن جبهة البوليساريو لازالت تمتلك أسلحة ثقيلة وصواريخ مضادة للطائرات زودتها بها الجزائر مؤخرا تحسبا للتطورات المقبلة وسعيا وراء نسف أرضية التوصل إلى حل نهائي لتسوية النزاع حسب أحد المصادر.

والمؤكد الآن هو أنه بعد الفيضانات التي اجتاحت مخيمات تندوف بدأ المقاتلون الصحراويون يتوجوه إلى الزويرات منذ فبراير 2006 وقد أكد الصحفي جمال براوي أنه بفضل الأموال المحصل عليها من القاعدة عمدوا إلى اقتناء منازل هناك ووصل عدد هؤلاء إلى ما يناهز 3500 مقاتلا في نهاية أبريل 2006.

وعموما، تعتبر المناطق الواقعة جنوب وشرق الصحراء الآن من الحلقات الضعيفة في المخطط الأمريكي لمراقبة العالم واقتفاء آثار التنظيمات الإرهابية، علما أن واشنطن أضحت تهتم بالمنطقة، أكثر من أي وقت مضى، اعتبارا للثروات النفطية التي تتوفر عليها ما دام أن نفط الشرق أصبح مهددا ومراقبته صعبة بفعل التوترات السائدة منذ احتلال أمريكا للعراق.


خلاصة القول


يبدو إذن أنه لا مناص من فتح الباب للنقاش الوحدوي، لأنه السبيل الممكن لمواجهة كل تداعيات ملف الصحراء والضامن إلى التوصل إلى أرضية مشتركة لتبني حل بنيوي يضمن استمرارية تكريسه من طرف الجانبين.

ويرى أغلب المحللين والمراقبين أنه لا مناص من الإسراع للبحث عن حل نهائي إذ لم يعد من الممكن الانتظار حتى تتحول إشكالية الصحراء من مصدر محتمل للاإستقرار في المنطقة إلى بؤرة تهدد الأمن والسلام العالميين.

إذن فلا مخرج إلا المفاوضات المباشرة للتوصل إلى حل توافقي، لكن هل سيكون هذا الحل هو تمكين قادة البوليساريو أو بعضهم من القيام بتدبير شؤون الأقاليم الصحراوية باستقلالية تحت السيادة المغربية؟ وحتى لو افترضنا أنه قد تيسر ذلك، فهل "بوليساريو الداخل".

و"بوليساريو الخارج" سيرضون عن ذلك؟ وقبل هذا وذاك ماذا سيربح المغاربة عموما من كل هذا؟

إنها أسئلة تعيدنا من حيث بدأنا إن نحن وضعنا في اعتبارنا المخطط السري لواشنطن بخصوص المنطقة.

ومهما يكن من أمر، يبدو أنه لم يبق من سبيل سوى تفعيل هذا التفاوض المباشر لبلوغ حل دائم لطي الملف نهائيا، وبهذا الخصوص على محمد عبد العزيز استذكار ما قاله مؤسس جبهة البوليساريو الوالي مصطفى السيد قبل وفاته: "لقد أجرمنا في حق شعبنا".


إدريس واد القابلة


أسبوعية المشعل المغربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق